ameer_al_3azab1
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ameer_al_3azab1

الحزن دولة لا يعيش فيها سوى الدموع
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قصة حارس قبر المليونير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
akram
مدير عام
مدير عام
akram


ذكر
عدد الرسائل : 346
العمر : 36
المزاج : عنيد جداً
تاريخ التسجيل : 17/04/2008

قصة حارس قبر المليونير Empty
مُساهمةموضوع: قصة حارس قبر المليونير   قصة حارس قبر المليونير Icon_minitimeالخميس أبريل 17, 2008 11:42 pm

في الليلة الاولى

لم يكن الملكان الشقيقان يسهوان عن أداء واجباتهما. كانا مجهزين بوسائل للكشف عن المجرمين أثناء إقامتهما جلسات التحقيق في القبر الذي كان يضيق على المجرم ويتسع..
من هذه الوسائل، تكسير العواتق وفقء العيون، والإطاحة بالعقل الآدمي. فما إن يسجى الميت ويسوّى في قبره حتى يبدأا الحساب. ومن قبل أن ينفض المشيعون ينهال الطرق على الجمجمة إلى أن تطقطق، وعلى المفاصل فيئن الميت أنيناً صامتاً. كذلك فالملكان لا يكلان ولا يملان، فهما وقد زُرعا في القبور زُرعت فيهما الرغبة باجتثاث الشرور. ولإنجاز هذه الغاية إنجازاً تاماً نراهما يقطّعان الميت شلواً، شلواً في المساحة الضيقة فتصيح القدم ويئن الساعد، وتزرق الوجنات من شدة اللطمات، وهما من فوقه قائمان يعدّان عليه ذنوبه ومعاصيه.
الميتون في هذه الآونة، وبفعل جوعهم المستديم، امتلأت أكتافهم بالآثام من دون أن يحسب الملكان حساباً لحسنة استطاع المفارق لحياته تسجيلها برغم الصعوبات والعوائق.
على أنه اختلط الأمر على الملكين فلم يعودا يميزان الخبيث من الطيب، ولا الحي من الميت. استبدلا موقعيهما، وانهالت على العواتق الضربات فصاح الحي وسكن الميت.

***

كان الرجل يحتضر على فراشه عندما اجتمع إليه أولاده الثلاثة. كانوا ينظرون إليه نظرة حزن خالطها سرور خفي، أما الأب فكانت عيناه في لحظات إبصارها الأخيرة ترصد سقف بيته وجدرانه، فراعه أنه مفارق وتارك وراءه ثروة لا تقدر بثمن. حوّل بصره إلى أولاده، ابتدأ بالكبير وصولاً إلى الصغير وقال لهم:
ـ لقد اقتربت نهايتي، وأريد أن تعاهدوني على أن ينام كل واحد منكم ليلة إلى جانب قبري، وإذا لم تعاهدوني حرمتكم الميراث.
نظر الثلاثة إلى بعضهم، كانوا يعلمون أنه يفعلها إن لم يقطعوا له وعداً بالمبيت عند قبره. قال الكبير:
ـ لك علينا يا أبي أن ينام كل منا سبع ليال بحالها..
وقاطعه الأب:
ـ لا، واحدة فقط.
وتعاهدوا على ذلك، ثم أسلم الأب الروح إلى بارئها، وسيق الجثمان إلى مثواه الأخير.
مع حلول الليلة الأولى، اختلف الأبناء وتصايحوا وتشاتموا، ولم يرض أحد منهم المبيت إلى جانب أبيه في ليـلة موتـه الأولى. وللوصول إلى نتيجة اتفقوا على استئجار أحد الفقراء لقاء مبلغ مجز. جاؤوا بكاتب، وقال له الكبير:
ـ إن أبانا دفن اليوم، ونريد استئجارك للمبيت عنده ثلاث ليال حتى لا يتعرض القبر إلى سوء، ونعطيك أجرك لقاءها خمسين ليرة ذهبية.
كاد الكاتب أن يجن وهو يسمع مبلغ الخمسين ليرة، فوافق على الفور ومن دون نقاش.
عند القبر ومع حلول العتمة تماماً، جلس، وإلى جانبه طعامه، يفكر بالمبلغ، وكيف سيصرفه. وبينما هو يقلب المال بين يديه، سمع ضجّة اهتزت لها المقبرة. سأل ناكر نكيرا:
ـ أترى ما أرى؟
ويجيبه نكير:
ـ أجل، أرى إنساناً حياً.
وعلى الفور خطر ببالهما أن يدعا الميت حيناً يفرغان خلاله للحي الذي يجلس إليه، عند قبره. الكاتب ومن الضجة انتابه الهلع، نظر يميناً وشمالاً دون أن يرى أحداً، إنساناً أو حيواناً، أو حتى أشباحاً. ليس سوى القبور ترتفع شواهدها، رفع رأسه إلى السماء فرأى سوادها يشقّه طائران على غير هيئة الطيور. وجهان آدميان بجناحين كأنهما من ذهب وفضة. وجل من منظرهما وهما يخرّان من أعلى إلى تحت. أحاطا به، نظر إليهما ونظرا إليه، فارتجف وارتعدت فرائصه، وفجأة سألاه وبصوت واحد:
ـ من أنت؟
تلجلج الكاتب، وتلعثم وتمتم قائلاً:
ـ أنا حارس.
ـ تحرس ماذا؟
ومن بين الخوف أجاب:
ـ أحرس قبر الميت، وأقوم بمؤانسته.
كان الكاتب في النفس الأخير، مصفر الوجه، مرتعد الفرائص. لا يعلم من أين هبط عليه هذان الآدميان الطائران.
تبادل الملكان النظرات، وصفقا في الهواء، فإذا بين أيديهما صحيفة خرجت من عاتقيه، من لدن الرقيب والعتيد. لحظتها أحس الكاتب بأن أحمالاً رهيبة هبطت من كتفيه، ولا يعلم بالطبع كيف حدث ذلك. كانت صحيفة لا تغادر صغيرة أو كبيرة إلا وأحصتها. حدقا فيها، وقال له ناكر بصوت هزّ أنحاء المكان:
ـ أنت عبد الحي، أليس كذلك؟
وأجاب وهو يرتجف:
ـ بلى أنا هو.
ـ وعملك كاتب وتوزع الصحف وتوصلها إلى المنازل.
ومن بين النفس الأخير أجاب:
ـ أجل...
وقبل أن يتم إجابته تلقّى صفعة من نكير الذي قال له:
ـ كل هذا وغيره كثير مسجل هنا على كتفك الأيسر. أنت كذلك تنقلها بأخبارها الكاذبة، وتخدع الناس. لماذا؟
ـ لا ذنب لي، فأنا أنقلها من المركز إلى الناس كما هي.
ـ فما دينك؟
ـ الإيمان بالله.
ـ ومن ربك؟
ـ الله..
ـ فلم لم تمتثل لتعاليمه؟
ـ وكيف لا. لم أؤذِ أحداً في حياتي.
ـ ولكنك لم تطع أولي الأمر، وكنت تحرض الناس على الفتنة، أليس كذلك؟
ـ لا، غير صحيح..
وقبل أن يتم كلامه، حمله كل من ناكر ونكير إلى أعلى ثم خبطاه بالأرض.
ـ كل هذا مسجل في صحيفتك وتنكر؟
بدا على الكاتب أنه في الرمق الأخير مثل خيط متهتك. حاول أن يأخذ نفساً فلم يتمكن إذ عاجله ناكر بضربة على أنفه فأطاح بالأرنبة.
ـ اعترف وإلا سحقنا عظامك.
ولكن بماذا أعترف؟ هذا ما حدث به نفسه. وتحت الضربات المتتالية، ومنظر الدماء السائلة قرر أن يقبل بما هو منسوب إليه، فصمت صمت القبول. أما الليل فما يزال ممتداً، باسطاً سواده على الأنحاء كافة. فقط حفيف السكون يهيمن على الأرجـاء، وتصفيق أجنحة الملكين.
ـ لم لا تجيب؟
أثناءها أغمي عليه، بعد أن تلقى صفعة مدوّية بجناح نكير الأيسر فأطيح به، وبينما هو على الأرض إلى جانب القبر، تحرك الملكان الشقيقان في المقـبرة في رصد لها ولزبائنها الجـدد. وما لبثا أن عادا، فوجدا عبد الحي صاحياً فبادراه سائلين وبصوت واحد:
ـ لا زلت هنا؟
وجل الكاتب، وأصابه الفزع. بعد لحظات وجد نفسه على جناحي ناكر الذي لم يلبث أن قذف به من أعلى ليرتمي فوق القبر تماماً. اشتد خوفه وفزعه وصب جسمه عرقاً غزيراً، رفع يديه إلى السماء مستغيثاً، وبينما هو يستغيث لطمه نكير بجناحيه فشق بطنه. صرخ الكاتب:
ـ اتركوني فما أنا الميت.
ـ وكيف نتركك وأنت صيد سهل؟ إن صحيفتك بينة وواضحة ولا تعب في إنزال العقوبة بك.
ـ ولكنني إنسان فقير، ومن المستضعفين.
ـ لا يهم.
ـ ولماذا لا تعاقبان هذا الميت، وهو يملك الملايين؟
ـ هذا ليس من اختصاصك.
لم يكن الكاتب يملك أكثر من حبل يشدّ به الصحف إلى دراجته التي ينطلق بها موزعاً حمولته على أصحابها، فماله وهذان الملكان؟ حار في أمر نفسه، ماذا يفعل وهما يحيطان به ويصفعانه بأجنحتهما يميناً وشمالاً؟
كان الليل في منتصفه عندما أحس بأنه مشدود إلى الأرض لا يستطيع أن يقف ولا أن يهرب، وكيف له أن يفر ورجلاه أدماهما صفع الأجنحة؟ نظر ناحية القبر، واشتهى أن يبصق على المـيت، ونازعته نفسه إلى نبش التراب وإخراج جثته والتمثيل بها لينتقم لكرامته التي هُدرت بسببه على يدي هذين الملكين.
تناوبته مشاعر مختلفة قلبته على الجمر، وتفكّر في ما سلف من أيامه، فلم يجد أنه ارتكب من المعاصي ما يدفعهما إلى إهدار دمه. هو ليس أكثر من كاتب زهد الدنيا، وزهدته بدورها هذه فلم تدع له فرصة يتحول خلالها من كاتب إلى أجير مطعم، أو مستخدم في ركن حكومي مثلاً. ولعله وهو الذي كان يعمل ويحيا بقوت يومه، لم يجرؤ يوماً على أن يرفع صوته بوجه أحـد، فكيف له أن يفعل الآن في حضرة مَن شقّا سواد الليل، وحلاّ عليه في صورة ضيف ثقيل جفف الروح، وأذهب النفس وفتك بالجسد الذي قرّحته الدنيا ، وهدّه النائم نومته الأخيرة في قبره. ثم ما له وهذا العمل الذي لم يكن يوماً من اختصاصه؟ أما كان الأجدر به أن يعفّ ويرفض؟ لو فعل لما مَثل أمامهما، ولنجا بنفسه من الحساب قبل أوانه. ولكن ماذا يفيده الآن ندمه. لقد وقع المحظور، وعليه أن يتدبر أمر نفسه ويتخلص من حصارهما. غير أن الملكين شدّا ـ وبحبله ـ وثاقه إلى كرسي جاءا به معهما.
قال له نكير:
ـ الآن سنقطع حبلك الشوكي إن لم تعترف.
وتابع ناكر:
ـ كنت تسوق إلى الناس خرافات وأساطير، وتنسى أن الكلمة مثلما تفجر في الناس عيوناً من الحق تفجر أخرى من الباطل. أنت كذلك من طبقة الفجّار بدليل أنك فجرت في الناس عيوناً من المفاسد. هذا ما رفعاه إلينا الرقيب والعتيد.
لم يكن أمام الكاتب مفر، ولعله سيقضي نحبه هنا بين الموتى دون أن يعلم بأمره أحد. نظر إلى طعامه فوجد الخبز يابساً والماء آسناً. من كتفه الأيسر خرج " العتيد " حاملاً ساطوراً سطر به رأس الكاتب فتدحرج نصفين، وما لبثت على حد زعم الملكين أن تساقطت آلاف الأباطيل . من كتفه الأيمن نط " الرقيب " كان ملكاً هادئاً، ولما لم يكن باليد حيلة فقد استسلم لرغبة الملوك الأشاوس، خاصة والكاتب لم يسجل في حياته من الحسنات ما يدرأ به عن نفسه سيل السيئات.
قال الرقيب:
ـ لم تطعني وأنا أقدم لك النصح. كنت أسعى بك إلى الخير وكنت تسعى بي إلى الشر، فذق عذاب يوم عظيم.
الرأس وبعد أن انفصلت عن جسدها هامت في المقبرة بين الموتى، لكنها ما لبثت أن استقرت عند قبر الميت تسبه بصمت وتلعنه بصمت.
بلغ الليل نهايته عندما تهيأ الملوك للرحيل، حاول الكاتب لملمة أجزائه ففشل، ذلك أن الدم جمد في عروقه. ولما كان ناكر ونكير الظلين الدائمين للملك العتيـد فقد تظاهرا ـ وقبل اختفائهما ـ في صور مختلفة منها أنهما ظهرا له في صورة الأبناء تارة، وفي صورة الميت ذاته تارة أخرى وفي الثالثة تجليا له وهما يجلسان على عروش ذهبية.
بدأ الصبح بالتشقق، وطلعت الشمس من أفقها الشرقي، ودبّت الحركة شيئاً فشيئاً. نظر الكاتب من حوله فلم ير قبراً ولا موتى، فرك عينيه وفتحهما على اتساعهما. لم ير شيئاً، ومع ذلك فلقد سب على الميت وعلى أبنائه، وحمد الله كثيراً على أنه لم يلتق بعد بملوك الرعشة والرهبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ameer-al-3azab1.mam9.com
 
قصة حارس قبر المليونير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ameer_al_3azab1 :: القسم الديني :: مواضيع دينية متنوعة-
انتقل الى: